ملحق
تلميذا عماوس
يوسف ضرغام
مطران مصر للموارنة
طريقهما مسيرة مع الرب.
هو لم يأتِ إليهما بالبروق والرعود وصوت البوق، بل كمسافر عادي، كأي شخص نلتقيه على دروبنا. ومن لم ينتبه إلى حضوره، قد يمرّ به مرور الكرام. هو الرب الآتي دوماً، السائر على طرقاتنا يومياً. هو الفقير الذي يفتح يده لينال صدقة. وهو المريض الذي يحتاج إلى من يعزّيه في آلامه. وهو الخاطئ الذي ينتظر من يخلّصه من خطاياه. هو تلك الأم التي فقدت ولدها ولا من يقول لها كلمة تعزية. هو السجين الذي لا يزوره أحد في سجنه... هو كل مظلوم ومحروم ومتألّم وخاطئ.
هلاّ فكّرنا بيسوع كل مرة التقينا أحد هؤلاء.
إنه معنا على الطريق. يقول لنا: "من سخّرك ميلاً إمشِ معه ميلين". ألم يصنع هو هكذا على الأرض: السير مع الناس، مع المخلع والأعمى والسامرية وزكّا وغيرهم...
تلميذا عماوس لم نعرفهما إلا بهذا الاسم. مجهولان وإن عرفنا أن أحدهما يدعى كليوباس. لقد أصبحا مثالَين لكل لقاء حقيقي بالرب. لقاء يبدأ بالكلمة وينتهي بالافخارستيا؛ الإيمان من السماع ثم الاتحاد. علاقة حب بين يسوع وتلاميذه. يريد القائم من الموت أن يعرفاه انطلاقاً من سر الافخارستيا. والافخارستيا نستعد لها بسماع كلمة الله التي تقود إلى المسيح الحي؛ الكلمة تشهد للمسيح القائم من الموت بينما الافخارستيا تجعله حاضراً.
يسوع يريد أن يُظهر حضوره الروحي بكثير من الحنان والحب، بواسطة سماع الكلمة وقبول الأسرار.
إنه حدث هام، لقاء يغيّر مجرى الحياة. حدث هو منعطف في حياة التلميذين اللذين عادا أدراجهما إلى أورشليم ليبشّرا الرسل بعد يوم متعب من السير. اللقاء بيسوع هو الحدث الأساسي في حياة كل مؤمن. يسوع هو الحدث. مجيئه يخلق الجديد؛ إنه البشارة والقوة والحياة والفرح. إنه حدث كل زمان ومكان وحياة كل انسان. لأنه قام وهو حي إلى الأبد ونحن دائماً بانتظاره: "تعال أيها الرب يسوع ". وهو يجيب: "هاءنذا واقف على الباب أقرعه. فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب دخلت إليه لأتعشّى معه وهو معي".
ونحن، ألا يحترق قلبنا في داخلنا عند سماع كلماته؟ إن كلامه نار ونور. لم يقل يسوع لهما من هو. فراحا يكتشفانه من كلامه ثم من كسر الخبز. هو يريد أن يحملهما على الإيمان: "طوبى للذين لم يروني وآمنوا".
نحن أيضاً لا نرى بعين الجسد لكننا نؤمن بكلامه وعند قراءة الكتب التي إنما تتكلم عليه.
وإن ساورتنا الشكوك يوماً، فيسوع يهدّئ قلقنا كما هدّأ قلب التلميذين، يرد لنا الثقة به وبذواتنا. فقد دخل إليهما، إلى قلبيهما قبل أن يدخل البيت: "حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم".
هذا هو يسوع الآتي لا بالمجد والعظمة بل بهدوء المساء، بسكون الليل، في ساعات القلق... يبرّد قلوبنا، يعزي نفوسنا، يملأنا فرحاً ورجاءً وحماساً لحمل الشهادة إلى أقاصي الأرض.